هو عبد الحميد بن محمد شاكر بن إبراهيم الزهراوي، ولد بحمص عام 1855، وبدأ دراسته بتعلم اللغة العربية وآدابها، عكف على دراسة اللغة التركية فأتقنها، وأتم دراسته في المكتب الرشدي في حمص، ثم طلب العلوم العقلية والنقلية على أيدي علماء عصره بحمص أمثال: الشيخ عبد الباقي الأفغاني، والشيخ عبد الستار الأتاسي... ولما نضج وعيه واطلع على ما كانت تعانيه البلاد العربية من تخلف وفقر وضعف؛ أصدر في حمص صحيفةس أسماها (الدبور) وكان يطبعها ويوزعها سراً يثير فيها كوامن النفس ويوقظ بها الشعور الوطني، وينتصر للحرية والدستور.
سافر الزهراوي إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية متاجراً، وهناك اشتغل بتحرير جريدة (معلومات) مع صديقه جميل بك العظم صاحب الصحيفة فأخذ يكتب المقالات التي يستمدها من تاريخ الأمة، وينبه إلى سوء الحالة التي رانت على البلاد والعباد.
بعدما انتصرت بريطانيا في حرب البوير المعروفة، ذهب الزهراوي مع لفيف من الأدباء والكتاب العثمانيين لتهنئة السفير البريطاني، فاجتمع به وجرى بينهما حديث لمساعدة الحركة القومية ضد الدولة، وقد تنبه السلطان عبد الحميد إلى هذه العلاقة المريبة فأعاده بلده، فانكب على الدرس والكتابة والحركة الفكرية، وألف رسالته المشهورة (الفقه والتصوف) التي حمل بها على بعض الاعتقادات السخيفة، فما كان من بعض الجامدين في دمشق إلا أن سعوا به إلى الوالي (ناظم باشا) الذي أرسله إلى الأستانة مكبلاً، وهناك توسط في أمره أبو الهدى الصيادي (شيخ السلطان عبد الحميد) فأعيد إلى حمص، ومن ثم غادر إلى مصر واشتغل بالصحافة، وبقي هناك حتى أعلن الدستور سنة 1908، فعاد إلى وطنه ممتلئاً حماساً وعزماً على مواصلة الجهاد والنضال ضد أعداء الأمة العربية ممثلة بجماعة الاتحاد والترقي.
انتخب الزهراوي مبعوثاً عن لواء حماه في البرلمان العثماني، فظهرت منه أعمال تدل على استقلال فكره ورأيه ودفاعه عن حقوق الفرق والطوائف في الدولة، واشتد الصراع الحزبي تحت قبة البرلمان حتى قررت الحكومة منع قيام أي جمعية ذات أهداف سياسية.
ساهم عبد الحميد الزهراوي في تأسيس حزب (الحرية والاعتدال) عام 1912، وهو حزب برلماني تشكل من أبناء القوميات التي تتألف منها الدولة العثمانية. وقد توصل هذا الحزب إلى الحكم في الفترة ما بين 1912ـ 1913، كما ساهم الزهراوي في تأسيس حزب الائتلاف المعارض لجماعة الاتحاد والترقي. ثم امتزج الحزبان باسم حزب (الحرية والائتلاف)، فتولى منصب وكيل رئيس الحزب، وفي هذه الفترة أصدر جريدته (الحضارة) وكانت تسير على مبدئه الثابت وهو الاعتدال، حتى أن كبار رجال الاتحاد والترقي كانوا يعجبون من اعتداله مع معارضته لرأيهم.
كان بيته أثناء إقامته في الأستانة محج الناس على اختلاف الأديان واللغات، يستمدون منه آراءه السديدة وكانت هذه الجلسات تستمر إلى ساعة متأخرة من الليل، ومع هذا لا يأخذه ملل مما يدل على سعة صدره وحسن مجلسه، وفي أواخر دورة لمجلس المبعوثان وقع خلاف شديد أدى إلى فض المجلس، وتجديد الانتخاب ثانية فسعت الحكومة الاتحادية إلى إسقاط الزهراوي وغيره من أحرار العرب في الانتخابات.
عاد الزهراوي إلى سورية، فوقعت حرب البلقان وفي أثناء ذلك سافر إلى مصر فانتخب من حزب اللامركزية رئيساً للمؤتمر الذي انعقد في باريس من أجل مطالبة الدولة العثمانية بإعطاء البلاد العربية حقها الدستوري. وذلك لمكانته العلمية والاجتماعية والسياسية، ولمواقفه المشرفة في مجلس المبعوثان، وموافقته للحزب في أهدافه الإصلاحية.
بعد الانتهاء من أعمال المؤتمر مكث الزهراوي في باريس خمسة أشهر لمتابعة قرارات المؤتمر، وفي هذه الأثناء كان يكاتب الحزب ويعمل بمشورته، ثم انتقل إلى الأستانة عاصمة الدولة، وبدأ في المفاوضات الرسمية مع جمعية الاتحاد والترقي من أجل تنفيذ القرارات، وقد أدرك الزهراوي مماطلة الاتحاديين، إلا أن الحكومة الاتحادية استطاعت أن تقنعه أنها بصدد إقامة مدرستين سلطانيتين في دمشق وبيروت وأساتذتهما عرب، وجعل اللغة العربية رسمية في المحاكم والدواوين، كما أصدرت قراراً بتعيينه في مجلس الأعيان، فازدادت ثقته بجماعة الاتحاد والترقي، وبنى آمالاً وطموحات عظيمة خاصة أن الحكومة بدأت تتقرب إلى رجال الإصلاح والشبيبة العربية، وتعمل على إقناعهم بحسن نيتها. وكان هذا التحالف بمثابة استكمال لحلقة المؤامرة (العربية الطورانية) ضد ما تبقى من الهيئة الإسلامية العثمانية.
دافع عبد الحميد الزهراوي عن الاتحاديين في كل مجلس وناد إلى أبعد حد، حتى أن أصحابه عجزوا عن تعديل شيء من أفكاره تجاه الحكومة الاتحادية. وفي أحد الأيام من شهر جمادى الآخرة عام 1916 طُلب عبد الحميد الزهراوي من الأستانة للديوان العرفي في لبنان، وبعد بضعة أيام طلب الخلوة بجمال باشا السفاح، فسمح له دون أن يدري أحد ما دار بينهما من حديث... وفي أوائل شهر أيار من عام 1916، سيق الزهراوي على قطار خاص مع ثلة من رجال العرب الإصلاحيين إلى ساحة المرجة في دمشق، وفي منتصف الليل شد وثاقه كما شد وثاقهم جميعاً، ونصبت مشانقهم. وعندما علق الزهراوي في المشنقة وبعدما أزيح الكرسي من تحت قدميه قطع الحبل، فأعيد إلى المشنقة مرة ثانية وأزهقت روحه.
ترك عبد الحميد الزهراوي عدداً من المؤلفات نذكر منها: (النحو والبلاغة والمنطق)، (الفقه)، (رسالة في الحب والبغض) وكتاب (خديجة أم المؤمنين).
كما أن له مجموعة من المحاضرات والرسائل والخطب والمقالات، وقد صادرتها جماعة الاتحاد والترقي عندما ألقي القبض عليه في الأستانة.
كان ينظم الشعر وله مساجلات لطيفة مع بعض أصحابه تدل على خفة روحه وحسن أسلوبه ودقة معناه.
هذه المعلومات أخذت بتصرف عن كتاب:
ـ (شهداء النهضة العربية) فوزي الخطبا، عمان، 1998، ص(81 ـ 102).
ـ (الأعلام) خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة العاشرة، 1992، المجلد الثالث، ص(288).