خالد العظم 1941



1941

حدر خالد العظم من أسرة تعتبر من إحدى أكثر الأسر الدمشقية ثراء و نفوذا في سورية ، والده فوزي باشا العظم أرستقراطيا عثمانيا شغل مناصب وزارية في الإمبراطورية و كان أسلافه تقليديا حكاما لسورية في القرن التسع عشر. درس القانون في جامعة دمشق و تخرج منها عام 1923. في العام 25 أصبح عضوا في بلدية دمشق مع إدارة أملاك العائلة المختلفة و المتشرة في معظم أنحاء سورية .
في منتصف الثلاثينات تقرب من قادة الكتلة الوطنية ، الحركة الأساسية المناهضة للانتداب ليصبح شريكا لشكري القوتلي ، ممولا عدة مشاريع للكتلة و تقلد منصب مدير شركة الإسمنت الوطنية . في نيسان 1941 في محاولة لإيجاد توازن بين المطالب الوطنية و المصالح الفرنسية ، اختاره الفرنسيون رئيسا للوزارة ، مخولا بصلاحيات رئيس جمهورية ، احتفظ فيها لنفسه بوزارة الداخلية ، لاعتقاد الفرنسيين باعتداله الكافي لحماية المصالح الفرنسية و حيازته لمشروعية مقبولة من الوطنيين . وعلى الرغم من عدم سبطرة الكتلة على وزارته إلا أن السيد هاشم الأتاسي دعمها جيدا بتعيين السيد نسيب البكري نائب رئيس الكتلة فيها بوزارتين . لم تدم وزارته طويلا ليحل محله في نفس العام تاج الدين الحسني الموالي للفرنسيين حتى وفاته عام 1943 . فانتخب مكانه السيد القوتلي صديق العظم . انتخب العظم نائبا عن دمشق لثلاث دورات متوالية من 43 وحتى 51 ثم في دورتي (54-58) و (62-63 ) . في العام 1943 شغل منصب وزير المالية في وزارة الكتلة برئاسة السيد سعد الله الجابري ،ثم وزيرا للعدل و الاقتصاد عام 46 . لكنه اختلف مع القوتلي و اتهمه بالتفرد بالسلطة مما دفعه للاستقالة. ينتقل للمعارضة ويقودها ضد القوتلي، فاتهمته الصحافة بالطموح للسلطة و إن معارضته ترمي للوصول للرئاسة بدلا منه .
1947 تزداد العلاقة توترا بين الرجلين عندما سعى القوتلي لتعديل الدستور ساعيا لفترة رئاسية ثانية . فشكل العظم كتلة برلمانية مناهضة للتعديل . فأبعده القوتلي بتعينه سفيرا في فرنسا. قبل التعيين وأقام في فرنسا لمدة عام كلف خلالها بشراء الأسلحة للجيش السوري المشكل حديثا فسعى للشراء من الشركات المنتجة الخاصة الراغبة بالبيع لسورية .
ووصلت الشحنة الأولى منه عام 1948 ، وقد بقيت فرنسا موردا أول للسلاح لسوريا حتى قام العظم بإبرام صفقة أخرى مع الاتحاد السوفياتي عام 56 . أثناء غياب العظم في فرنسا أعيد انتخاب القوتلي لفترة رئاسية ثانية . في العام 48 كلف بتشكيل وزارة مستقلة حيث واجه السيد القوتلي أزمة وزارية حادة و كان بحاجة لشخصية مستقلة عن الأحزاب السياسية المختلفة . تجاوز العظم والقوتلي خلافاتهما وعاد الأخير للوزارة في محاولة لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي واجهت سورية منذ الاستقلال ، فترأس الوزارة مع حقيبتي الدفاع و الخارجية و علق أهمية على فرنسا و أمريكا للحصول على قروض منهما للإقلاع بالاقتصاد السوري. ذهب لنيويورك عدة مرات في أيلول 48 لحضور اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية. في رئاسته للوزارة فترة الحرب اصطدم بالعسكريين الذين كانوا يقودون جبهة القتال ، و اتهم رئيس الأركان حسني الزعيم بضعف القيادة وأوصى بتنحيته من منصبه. لكن الأخير في 29 آذار قاد انقلابا عسكريا و اعتقل كلا من السيدين العظم والقوتلي وأودعهما سجن المزة العسكري سئ السمعة. أطيح به بانقلاب آخر في نفس العام و أعدم بعد أقل من خمسة أشهر من استيلائه عل السلطة. و أعيدت السلطة الدستورية المدنية لسوريا . فعاد السيد العظم للساحة السياسية عبر الانتخابات البرلمانية لعام 49 ليكلفه المجلس الدستوري بوضع دستور جديد لسوريا بالإضافة لوزارة المالية . في العام 1950 عينه هاشم الأتاسي رئيسا للوزارة مكلفا بالحد من نفوذ العسكر والإصلاح الاقتصادي. في هذه الفترة قام بإجراءاته الشهيرة بالقطيعة الاقتصادية مع لبنان و إغلاق الحدود حماية للصناعة السورية. بين عامي (50-51 ) شكل ثلاث وزارات اصطدم دائما بالقوات المسلحة ناهيك عن حزب الشعب المعارض الساعي لوحدة مع العراق الهاشمي والاشتراكيين بقيادة الحوراني . رفض العظم تعيين عسكري لوزارة الدفاع محتفظا بها لنفسه دائما فرد عليه الضباط بازدراء و رفض تنفيذ أوامره كما عارضه حزب الشعب لأرائه المعادية للهاشميين أما الاشتراكيين فاعتبروه رأسماليا متزمتا و أرستقراطيا ثريا يستعبد الطبقة العاملة في البلاد. ابتعد العظم عن الحياة العامة في السنوات (51-54) احتجاجا على الاجراءات البوليسية التي اتخذها حاكم سوريا العسكري الجديد الرئيس أديب الشيشكلي .
لكنه عاد إلى معتركها بزوال الحكم العسكري ، مرشحا للرئاسة في تنافس واضح مع القوتلي عام 55 . خسر العظم الانتخابات ليعود إلى الظل فترة قصيرة، ليعود في تشرين 56 وزيرا للدفاع في وزارة صبري العسلي لاعبا فيها دورا محوريا في توجهه لإقامة تحالف مع الاتحاد السوفياتي. زار موسكو عدة مرات وحصل على عدة قروض طويلة الأجل مع صفقات اقتصادية هامة . مما أغضب الصحافة الأميركية التي أسمته المليونير الأحمر كما استعمل هذا اللقب مرادافا لاسمه في الصحافة السورية في الخمسينات . ولكنه لم يهتم لهذا قائلا بأنه سيرسخ العلاقات مع أي بلد يرغب في تقديم المساعدة لبلده سوريا . من اللافت أن السيد العظم رغم تحالفه مع السوفييت بقي غير مؤيد لعبد الناصر القائد الاشتراكي في مصر الحليف الأساسي لهم في المنطقة ، وفي العام 1958 صوت ضد الوحدة الاندماجية بين مصر و سورية خلافا للأغلبية البرلمانية في حينها و خلافا لإرادة السيد القوتلي . عارض اشتراكية عبد الناصر منبها أن القائد المصري يدمر النظام الديمقراطي والاقتصاد الحر، داعيا السوريين للتفكير مرتين قبل استدعاء غريب ليحكمهم. خلال سنوات الوحدة (58-61 ) اعتكف في لبنان ولم يلعب أي دور في السياسة السورية. بسقوط الوحدة عام 61 عاد إلى سورية وحضر مؤتمر للأحزاب في دمشق واتهم نظام عبد الناصر بأنه لايختلف عن الانتداب الفرنسي وساعد في صياغة إعلان الانفصال الذي اتهم عبد النصر بإقامة نظام ديكتاتوري غاشم وتشويه فكرة القومية العربية وخنق الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد. ترشح العظم مجددا لرئاسة الجمهورية عام 61 لكن العسكريين الذين كانوا حكام سورية الفعليين اعترضوا على ترشيحه مستذكرين موقفه المعادي لهم منذ العام 48 كما أن بعضهم ما زال على ولائه لعبد الناصر رافضين عداءه لزعيمهم . فسحب ترشيحه لصالح ناظم القدسي المعادي أيضا لناصر. فاز بالنيابة في برلمان 62. لكن عبد الكريم النحلاوي عاجل البرلمان بانقلاب عسكري اعتقل بموجبه السيدين القدسي والعظم متهما إياهما باضطهاد الجيش و إساءة استخدام منصبيهما. تبعه انقلاب عبد الكريم زهرالدين الذي أطلق المعتقلين و طرد النحلاوي من الجيش . في أيلول 62 كلفه القدسي بوزارته السادسة والأخيرة في محاولة أخيرة لضبط الوضع المعقد و المتوتر. في هذه الوزارة انصب همه على إنعاش الإقتصاد السوري و الصناعة المنهارة والتي آلت ملكيتها للدولة بتأميمها من قبل ناصر في محاولة لإعادة توزيع الثروة . فأصدر عدة قوانين لإنهاء الإجراءات الاشتراكية التي فرضت على سورية في الوحدة ، و اقترح إعادة جميع المصانع و المؤسسات الاقتصادية المصادرة إلى أصحابها ، كما اقترح التعويض عليهم عن الخسائر التي تكبدوها خلال فترة مصادرتها. خلال تلك الفترة أعلن بعض الصناعيين إفلاسهم مما أسعدهم هذا الاقتراح ، الذي لم يأخذ طريقه للتطبيق أبدا . بانقلاب آذار 1963 ووصول البعثيون للسلطة عادوا لنموذج الدولة الناصرية الاشتراكية وأصدروا أوامر باعتقال الرئيسين القدسي و العظم ، فهرب الأول لعمان بينما لجأ الثاني للسفارة التركية في دمشق وهرب لاحقا إلى لبنان مقيما في بيروت حتى وفاته 1965.
أسقطت في سورية حقوقه المدنية و صودرت أملاكه الشاسعة. خلال إقامته في بيروت كتب مذكراته في 3 أجزاء. أبرز ما فيها عداوته الشديدة للضباط الذين أطاحوا به في السنوات 49 – 58- 62 – 63 . نشرت زوجته مذكراته عام 1973 فأصبحت من أهم المراجع للتاريخ السوري ما قبل 1963 .
بقلم الدكتور سامي محمود المبيض