الملك فيصل بن الحسين الهاشمي 1918-1920



أميراً : 1918 - 1920
ملكاً : 1920

نشأة الملك فيصل

ولد فيصل بن الحسين بن علي عام 1885 في مكة المكرمة، وكان أبوه الشريف حسين شريف مكة وقائد الثورة العربية الكبرى بين عامي 1916 و1918 والتي نشأ عنها الحكم العربي الهاشمي في الحجاز والشام والعراق. وقد نشأ فيصل مع البدو جريا على عادة الأشراف منذ القدم ليتعلم فصاحة العرب وشجاعتهم ويتدرب على حياة الصحراء والتقشف وقسوة المعيشة، وتعلم أيضا الفروسية والقتال بالسيف والبندقية.

وفي عام 1893 سافر مع عائلته إلى الآستانة عاصمة الخلافة العثمانية، فقد كان الشريف حسين بن علي معارضا للسياسات التركية وأراده السلطان عبد الحميد أن يكون قريبا منه وتحت مراقبته فاستدعي إلى الآستانة واختير عمه شريفا لمكة رغم أنه يفترض أن يتبوأ هذا المنصب، وتعلم فيصل في الآستانة اللغات التركية والإنجليزية والفرنسية والتاريخ، وعلمه والده القرآن الكريم.

ينتسب فيصل إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو من الجيل الثامن والثلاثين من أبناء وأحفاد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وينتمي إلى أسرة آل عون من الأشراف وهي إحدى ثلاث أسر كانت تتنافس على الزعامة مع آل زيد وآل بركات، وقد آلت الزعامة إلى آل عون منذ بداية القرن التاسع عشر.

ووصفه البريطانيون الذي عايشوه وعملوا معه، فقال عنه اللورد اللنبي بأنه بهي الطلعة ووسيم، وعيناه معبرتان، وشجاع ولطيف الشمائل، وسياسي قدير، وذو شخصية ملكية حقيقية. ووصفه الرئيس الأميركي ويلسون بأنه "مسيح الشرق"، فقد كان بسيطا متواضعا، ولا يدخر لنفسه من المال الذي تحت تصرفه، حتى إنه عندما خرج من دمشق عام 1920 لم يكن يملك نفقات السفر. وقال عنه السير هنري دوبس المندوب السامي البريطاني في العراق إنه يبدو في نظر البريطانيين شخصا أسطوريا بل هو صلاح الدين هذا العصر. وكتب عنه عباس محمود العقاد أنه ذو شخصية يحسب لها حساب، ومن أصحاب الخلق والألمعية، ويصلح للرئاسة ومعالي الأمور، وكل ما سمعناه عن أفعاله وصفاته يؤيد هذه النظرة، وينم عن رجاحة في الذكاء والأخلاق.

وفي عام 1908 عاد الشريف حسين والد فيصل إلى مكة ليكون شريفا لها، وانتخب فيصل في مجلس "المبعوثان" (البرلمان العثماني) عن مدينة جدة، فعاد إلى الآستانة واكتسب إثناء إقامته هناك خبرة سياسية ومعرفة شاملة بالسياسة التركية ورجالها.

قال عنه اللورد اللنبي إنه بهي الطلعة ووسيم، وعيناه معبرتان، وشجاع ولطيف الشمائل، وسياسي قدير، وذو شخصية ملكية حقيقية. ووصفه الرئيس الأميركي ويلسون بأنه "مسيح الشرق"، وقال عنه السير هنري دوبس المندوب السامي البريطاني في العراق: إنه يبدو في نظر البريطانيين شخصا أسطوريا بل هو صلاح الدين لهذا العصر

الثورة العربية الكبرى

بدأ فيصل يتصل بالقوميين العرب عام 1915 وكان عضوا في جمعية العربية الفتاة، وكان من قادتها فوزي البكري وياسين الهاشمي وبدر الدين الحسيني ورضا الركابي، وكانت فكرة العمل القومي قائمة على الاستقلال للعرب مع اختلاف في الوسائل، فالبعض يراها بالتفاهم مع الأتراك والبعض يراها بالثورة والتعاون مع بريطانيا، ويبدو أن فيصل كان ميالا إلى التفاهم والتنسيق مع تركيا. وفي الحرب العالمية الأولى التقى كبار المسؤولين الأتراك بدءا بالصدر الأعظم من أجل حشد جيش عربي يقاتل مع تركيا مقابل الاستقلال للعرب بعد الحرب، ولكن الموقف تغير بعد الاعتقالات والإعدامات التي نفذها والي دمشق جمال باشا السفاح وبخاصة إعدام مجموعة من قيادات العرب في 6 مايو/ أيار 1916.

وأعلنت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي على الأتراك بمناصرة من بريطانيا، وقاد فيصل جيشا عربيا من الحجاز إلى جدة واحتلها، ثم واصل زحفه إلى المدينة المنورة ثم إلى العقبة، وأعلنت الحجاز مملكة عربية بقيادة الشريف حسين بن علي.

وتحركت جيوش الثورة العربية بقيادة فيصل من العقبة باتجاه الشام حتى أمكن دخول دمشق عام 1918، وأعلنت مملكة عربية في سوريا باسم "السلطان أمير المؤمنين الحسين بن علي" وأعلن فيصل بن الحسين ملكا على سوريا.

الحكم العربي في سوريا

كلف الملك فيصل رضا الركابي تشكيل أول حكومة عربية لسوريا، وكان من معاونيه عادل أرسلان ورشيد طليع وإسكندر عمون وساطع الحصري ويوسف العظمة وياسين الهاشمي.

وفي عام 1920 احتلت فرنسا سوريا بعد معركة ميسلون مع الجيش السوري بقيادة يوسف العظمة، وكانت معركة غير متكافئة قاتل فيها السوريون بصمود وبسالة حتى استشهد من جيشهم المكون من ثلاثة آلاف مقاتل 800 شهيد على رأسهم يوسف العظمة، وقتل من الفرنسيين 300 جندي.

مملكة العراق

احتلت بريطانيا العراق في الحرب العالمية الأولى، وقد اندلعت في عام 1920 ثورة كبيرة ضدها، ووجدت بريطانيا أنها بحاجة إلى أن تسمح للعراقيين بحكم أنفسهم لتخفيف الأعباء والتوتر القائم، فكلفت عبد الرحمن الكيلاني تشكيل حكومة تنسق مع المندوب السامي البريطاني، وعين لكل وزير في الحكومة مستشار بريطاني يمتلك صلاحيات واسعة.

وعقد في القاهرة مؤتمر لترتيب الأوضاع في العراق بإشراف وزير المستعمرات تشرشل، وحضره قادة الحكومة العراقية، ورشح في هذا المؤتمر فيصل بن الحسين ليكون ملكا للعراق، فأبرق العراقيون للشريف الحسين بن علي يطلبون أن يكون فيصل ملكا على العراق.

سافر فيصل من جدة إلى العراق عام 1921 وأجري استفتاء شعبي في العراق على الملك فيصل وكانت نتيجته الموافقة عليه ملكا بأغلبية كبيرة تصل إلى 97%، وتوج ملكا على العراق في 23 أغسطس/ آب 1921، وأعلن مجلس الوزراء العراقي مبايعته ملكا.

وقعت معاهدة بين بريطانيا والعراق تنظم العلاقات والصلاحيات، وكانت هذه المعاهدة تقنينا للانتداب البريطاني، ولكن فيصل والعراقيين عملوا على تطويرها والتعديل عليها حتى أمكن الوصول إلى حالة هي أفضل من الانتداب وأقل من الاستقلال، وكان فيصل يستعين بالمعارضة الشعبية والسياسية والرأي العام لتعضيد موقفه تجاه الإنجليز حتى إن كوكس المندوب السامي اعتبره خطيرا على بريطانيا وأنه يحرك الهياج الشعبي، وسرب بنود مشروع المعاهدة قبل توقيعها إلى الصحافة العراقية المعارضة.

وقد ناقشت وزارة المستعمرات البريطانية فكرة تنحية الملك فيصل، وأرسل إليه تشرشل رسالة شديدة اللهجة يقول فيها إن بريطانيا لم تعد تصبر على عناده، ولكن يبدو أنها أدركت أنها لا تستطيع إدارة العراق من دون الملك فيصل، فهو وإن كان يضغط على بريطانيا باتجاه تحقيق المطالب الوطنية فإنه أيضا قادر على تهدئة الأوضاع واستيعاب الناس والقيادات السياسية والشعبية، ويبدو أيضا أن الملك فيصل كان يدرك هذا، فاستغله بذكاء وحكمة حتى أمكن التفاهم على الاستقلال عام 1932 ودخول العراق عضوا في عصبة الأمم.

يقول المؤلف إن بريطانيا رغم موافقتها على الاستقلال للعراق فإنها بدأت تفكر في التخلص من الملك فيصل، وساعدت بقوة وإصرار مجموعة من السياسيين حوله سعت في فرضهم عليه، وبخاصة أن فيصل بدأ فور الاستقلال بالاتصال بدول عدة وعلى رأسها إيطاليا بقيادة موسوليني لتحديث الجيش العراقي وبناء مؤسسات الدولة الحديثة وتخفيف الاعتماد على بريطانيا، ولكنه توفي عام 1933 في ظروف يعتبرها المؤلف غامضة ومريبة.

وفاة فيصل

توفي الملك فيصل عام 1933 في سويسرا، وكان يقوم برحلة للاستشفاء وإجراء فحوص دورية، وكان عمره 48 سنة، وقد نشرت صحف المعارضة العراقية أن الوفاة لم تكن طبيعية، وشككت في دور بريطانيا في القضاء عليه، ودس السم في شرابه أو في الحقن الطبية التي كانت يحقن بها.

وكانت تقارير الأطباء السويسريين قبل وفاته بيومين تؤكد أنه بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض خطيرة، ولكن تقرير الوفاة ذكر أن سبب الوفاة هو تصلب الشرايين. وترجع الليدي باجيت -وهي ممرضة بريطانية كانت ترافق الملك فيصل- سبب الوفاة إلى التسمم بالزرنيخ الذي أذيب في الشاي الذي شربه قبل وفاته بست ساعات، وبخاصة أن الأعراض التي ظهرت عليه في الاحتضار هي أعراض التسمم بالزرنيخ.

وفي عام 1988 صدر كتاب "نساء من الشرق الأوسط" لمؤلفه ناصر الدين النشاشيبي، ذكر فيه أن ممرضة يهودية اسمها فيكي كانت على علاقة برستم حيدر رئيس الديوان الملكي، وقد رتب لها حيدر لتعمل في حاشية الملك، وهي تعتقد كما ذكرت بعد سنوات طويلة من الوفاة أن السفير البريطاني في سويسرا بدل الحقن التي كانت تعطى للملك بالتنسيق مع رستم حيدر، ودس بينها حقنة زرنيخ، ثم قتل رستم حيدر والسفير البريطاني بعد ذلك، وقد لا تكون الممرضة نفسها بريئة.

عراقيون بجانب فيصل

ربما يكون نوري السعيد وعبد المحسن السعدون وناجي شوكت أهم الشخصيات التي عملت مع الملك فيصل، وشغل كل منهم منصب رئيس الوزراء بعد سلسلة طويلة من المناصب القيادية والوزارية.

كان نوري السعيد من الضباط العرب في الجيش التركي الذين انضموا إلى الثورة العربية الكبرى، ثم عمل مع حكومة الحجاز، وتقلد مناصب عسكرية رفيعة، وشارك في الحكم الهاشمي في سوريا، ثم رافق الملك فيصل إلى العراق، وساهم في تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

وظلت علاقة نوري السعيد بالملك فيصل قوية حتى عام 1930 عندما كلفه تشكيل الحكومة، وبدأ يتصرف كمركز قوة بديلة للملك ويتصل بالبريطانيين متجاوزا الملك، وحدثت أزمة كبيرة بين الرجلين عام 1932 جعلت الملك فيصل يعين أشد خصوم السعيد رشيد عالي الكيلاني رئيسا للديوان الملكي، ثم كلف ناجي شوكت تشكيل الحكومة، ولكنها لم تستمر أكثر من أربعة أشهر كلف بعدها رشيد الكيلاني تشكيل الحكومة واختير السعيد فيها وزيرا للخارجية.

وقد دافعت بريطانيا بقوة عن السعيد وفرضته بالحسنى على الملك فيصل، ولكنه أصر على استبعاده من رئاسة الحكومة، وبعد تشكيل حكومة الكيلاني بأسبوع واحد توفي الملك فيصل، ويتساءل المؤلف هل كان للسعيد بالتعاون مع بريطانيا دور في وفاته؟


ومن الشخصيات المهمة أيضا عبد المحسن السعدون الذي برز على المسرح السياسي العراقي بين عامي 1922 و1929 وشكل في هذه الفترة الحكومة أربع مرات، وشغل أيضا منصب وزير العدل ووزير الداخلية، وترأس المجلس التأسيسي العراقي ثم مجلس النواب.

وقد تميزت حياة السعدون السياسية بالوسطية والتوفيق بين صداقة الإنجليز والمطالب الوطنية، ولكنه في منهجه هذا اكتسب عداوة البريطانيين والمعارضة العراقية، ثم تخلى عنه حزبه مما دفعه إلى الاستقالة ثم الانتحار.

والشخصية الثالثة هي ناجي شوكت وكان جمهوري النزعة، وقد شكل الحكومة العراقية عام 1932 بعد سلسلة من المناصب القيادية والوزارية بدأت بمعاون متصرف بغداد إلى أن اختير وزيرا للعدل ووزيرا للداخلية، وقد توطدت العلاقة بينه وبين الملك فيصل بعد مواجهة قوية كادت تعصف بمستقبله السياسي، وأبدى شوكت صلابة وقوة شخصية لعلها أثرت في الملك فيصل وجعلته يقربه إليه.

تعرض مذكرات الملك فيصل رؤيته ومشاهداته للوضع في العراق ومعالجته لهذه المسائل، ويمكن تلخيص منهجه ورؤيته هذه في: بناء الجيش، وكان ذلك من أسباب الخلاف بينه وبين بريطانيا ونوري السعيد، وإرساء التقاليد والشعائر الدينية، وتطوير الحكم المحلي، وترسيخ الديمقراطية وفصل السلطات، وتدريب الموظفين، وإقامة المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية والتعليمية