مدحت باشا



مدحت باشا (بالتركية:Mithat Paşa) (أكتوبر 1822م اسطنبول - 8 مايو 1884م الطائف الموافق 1238 - 1301 هـ)[1] سياسي عثماني تولى مناصب عديدة في الدولة العثمانية. منها الصدارة الأعظمى (رئاسة الوزراء) ووزير العدل وخدم قبلها واليا لولاية بغداد وولاية دمشق وولاية سالونيك.
سيرة حياته

ولد أحمد شفيق وهو الاسم الحقيقي مدحت باشا في اسطنبول عام 1822م ونشأ في بلغاريا حيث كان والده قاضيا على بعض نواحيها وظهرت نجابة مدحت باشا منذ حداثة سنه فحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغتين العربية والفارسية إضافة إلى لغته الأصلية التركية لذلك لقب بمدحت نظرا لذكائه ونجابته. كما برع في الخط والكتابة الأمر الذي ساعده في العمل ككاتب في مجلس الصدر الأعظم وهو لم يبلغ العشرين من العمر.
الحياة السياسية


صورة على غلاف مجلة غربية

توظف في بدايته في قلم الديوان في الباب العالي، وبدافع من تشجيع رشيد باشا صاحب فكرة حركة التجديد في الدراسة على النمط الأوربي اتخذ فرماني التنظمات بداية شاملة لهذه الحركة التغريبية تعلم مدحت اللغة الفرنسية فحذقها. عين عام 1860م واليا على نيش فاظهر كفاية فيها, ثم عن واليا على الطوفة عام 1864م لمدة ثلاث سنوات, عاد بعدها إلى إسطنبول ليشغل منصب رئيس شورى الدولة لمدة عام واحد. نقل بعدها واليا على بغداد
عندما أستلم المصلح مدحت باشا في سنة 1869م ولاية بغداد وادرك ضرورة بناء مستشفى غرباء الكرخ :
 وهي أقدم مستشفى في بغداد وتعرف بمستشفى غرباء الكرخ وقد سميت على غرار مستشفى غرباء التي لاتزال قائمه في مدينة استانبول وقد أسسها المصلح الكبير الوالي مدحت باشا في سنة 1872م وقد قيل فيها:
مدحت أوجد عرشا فيه للناس شفا
قال في تاريخ هذا القصر موسى الصفا
لقد أدرك الوالي مدحت باشا الحاجه الماسه الى تأسيس مستشفى عامه في بغداد وقام بالتخطيط لها في سنة 1872م وبعد مناقشة المشروع في مجلس الولايه تقرر أن تقوم البنايه في الحديقه التابعه الى وقف سليمان باشا والواقعه على ضفاف نهر دجله مباشرة من جهه الكرخ, ولكن العقبه الرئيسيه كانت عدم وجود ميزانيه خاصه لبناء المستشفى ولذلك أقبل الكثير من الاهالي والوجهاء بالتبرع لبناء هذه المستشفى, وقد تم بناؤها سنة1872م وأطلق عليها مستشفى غرباء, ولقد أرخ العلامه عبد الوهاب النائب  في هذه المناسبه حيث قال                                                     
في وصفه ليس له من مثيل   
لله ماأطيب هذا البنا
أطيبه هذا شفاء العليل 
 والخلاف بينه وبين الصدر الأعظم وقتها محمود نديم باشا. ترك مدحت بغداد وصدر أمر تعيينه واليا على أدرنة, ولكنه في مقابلة له مع السلطان عبد العزيز تمكن من اقناع السلطان عبد العزيز بعزل محمود نديم من الصدارة، ثم أقعنه في نفس المقابلة أنه جدير بهذا المنصب فتم تعيين مدحت باشا صدار أعظم لأول مرة عام 1872م.
جمعية المكتبة العمومية
لولا سعي الأمير طاهر الجزائري لدى والي دمشق مدحت باشا، لما بقي أي من المخطوطات النفيسة التي كانت خزائن مدارس وعائلات دمشق العريقة تحفل بها.
ففي نهايات القرن التاسع عشر توالت حوادث سرقة المخطوطات التي أثارت ضجة علماء دمشق ووجهائها، مما حدا بالوالي العثماني مدحت باشا بتشكيل لجنة برئاسة مفتي دمشق محمود أفندي حمزة، وعضوية كل من الشيخ علاء الدين عابدين والشيخ سليم العطار والشيخ محمد المنيني والشيخ أحمد مسلم الكزبري، وسماها "جمعية المكتبة العمومية".


الشيخ طاهر الجزائري



وقد جمعت هذه اللجنة في "المدرسة الظاهرية" التي أصبحت مكتبة عمومية من خزائن الكتب بدمشق (2453) كتابا منوعة عدا الدشت والكراريس والأوراق المتفرقة.
وقد أخذت كتب المكتبة الظاهرية من عشر خزائن وهي: ما تبقى من خزانة المدرسة العمرية وهي أهم هذه الخزائن وأنفسها، وخزانة مدرسة عبد الله باشا العظم، وخزانة سليمان باشا العظم وخزانة الملا عثمان الكردي، وخزانة مدرسة الخياطين التي وقفها أسعد باشا العظم، وخزانة المرادية، وخزانة المدرسة السميسطائية، وخزانة الياغوشية، وخزانة الأوقاف، وخزانة بيت الخطابة في الجامع الأموي ومن كتب أخرى موقوفة.

 

 

نص قرار مدحت باشا
وهذا نص قرار مدحت باشا بتأسيس المكتبة الظاهرية:
"لما كانت الكتب الموقوفة والمشروطة لاستفادة العموم قد حصرت بأيدي المتولين وحرمت الناس من مطالعتاه صدر الأمر الجليل من ملجأ الولاية، وأعطي قرار من طرف مجلس الإدارة توفيقا للتقرير المتقدم من هؤلاء العاجزين المؤرخ في 15 شباط سنة (1295) على أنه يجري جمع الكتب والرسائل الموقوفة الكائنة تحت أيدي المتولين ووضعها بخزانة مخصوصة عمرت وأنشئت بتربة الملك الظاهر في المحل المخصوص المعمر لأجل ذلك جوار تربة السلطان صلاح الدين لأجل أن تصير المنفعة عمومية، ولا يحرم من الاستفادة والمطالعة التي هي أجل مقاصد الوقف بل لأجلها وقف ويتأسس بذلك مكتبة عمومية".
على عربات القمامة!
عندما سمع ناظر المدرسة العمرية بقرار مدحت باشا، انتقى أحاسن كتبها ونقلها إلى داره وأبعد جميع الحمالين من جهة الصالحية، فعندما وصلت اللجنة المكلفة من الوالي لم تجد رجلاً واحداً يحمل الكتب حتى استعانوا بدواب القمامة، ونقلوا ستمائة مجلد خطي ومجموعة كبيرة من الدشت ".
تعد المكتبة العمرية من أهم مكتبات دمشق وغيرها من مكتبات البلاد الاسلامية، فقد اجتمع فيها أهم الكتب الإسلامية، وكان كثير مما يدرس أو يتعلم أو يؤلف كتابا فيها يوقفه في هذه المدرسة حتى اجتمعت فيها ألوف الكتب التي قلما يخلو كتاب منها من إجازات وسماعات بخطوط العلماء مما يجعل لها قيمة علمية وأثرية.
وزاد أهميتها أن المدرسة الضيائية التي أنشأها ضياء الدين المقدسي كان لها مكتبة هي أعظم وأهم مكتبة في دمشق، فقد جاب الضياء المقدسي الذي عاصر نور الدين محمود بن زنكي، أقطار العراق وبلاد العجم والقطر المصري وانتقى أحاسن الكتب وأجودها، فكان إذا رأى ما أعجبه لم يفلته من يده ويبذل كل جهده للحصول عليه، سواء أكان بالاستهداء أم بالشراء، أو بالنسخ حتى اجتمع له ما لم يجتمع لغيره، وأوقف هذه الكتب على مدرسة أنشأها في سفح قاسيون، فكان مما فيها من أوراق بخطوط الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل. وكان فيها مخطوطان للتوراة والإنجيل قديمان بالخط السرياني الاسطرنجيلي على ورق غزال، ولا تزال بعض أوراق منهما محفوظة في دار الكتب الظاهرية.



ما تبقى من بناء المدرسة العمرية

 

 

لصوص الكتب
وقد بدأت الكتب تتسرب منها بمختلف الوسائل والطرق. وهو ما لخصه الشيخ محمد أحمد دهمان في كتابه "في رحاب دمشق": "أن جماعة من نجد جاءوا إلى دمشق سنة 1250 هجرية وقدموا لناظر العمرية مالاً على سبيل الرشوة، فساعدهم على سرقة أربعة أحمال من الجمال من كتب المدرسة نقلوها ليلاً إلى دار أحد الحنابلة في دمشق، فصادر نصفها لنفسه وذهب الآخرون بالباقي، ولا يزال بعضها إلى اليوم وعليه وقف العمرية.
ومما يروى أن الوراق المصري الشهير محمد أمين الخانجي، كان أحد الذين تولوا شراء مخطوطات المدرسة العمرية من نظّارها وبعض لصوص المخطوطات في بداية هذا القرن، وقد قام الخانجي  ببيعها للعلماء ولدور الكتب في الشرق والغرب، ويستطيع الباحث أن يعثر اليوم على أعداد كبيرة من هذه المخطوطات في كل من دار الكتب المصرية، ومكتبة الدولة في برلين، ومكتبة جامعة توبينغن (ألمانيا) ومكتبة شيستر بيتي في دبلن (ايرلندا) .

ويقول الباحث أحمد ايبش الذي عاين عن كثب هذه المخطوطات في مكتبات الدول المختلفة: "مما يؤسف له أن نعتبر انتقال هذه المخطوطات إلى مكتبات أوروبا "من حسن" حظ الباحثين والمخطوطات نفسها، وذلك- يضيف إيبش – لحسن العناية بهذه الأصول النادرة وجودة فهرستها، وسهولة الاطلاع عليها وتصويرها لمن يشاء من الباحثين، الأمر الذي يتعذر إلى حد كبير فيما لو كانت هذه المخطوطات مازالت باقية في بلادنا.

تمت محاكمته بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني بتهمة الضلوع في اغتيال عمه السلطان عبد العزيز وحكم عليه بالإعدام إلا إن الحكم خفف إلى المؤبد[3] ونفي إلى الطائف حيث مات فيها مخنوقا في ظروف غامضة عام 1884م.
يعتبر مدحت باشا من أشهر الإصلاحيين العثمانيين الذين تبنوا فكرة الإصلاح على الطريقة الأوروبية ولقب بـ "أبو الدستور" و"أبو الاحرار" حيث سعى إلى إعلان القانون الأساسي وظهور البرلمان العثماني عام 1876م.
المراجع
  مدحت باشا الأعلام، خير الدين الزركلي، 1980
  مدحت باشا الموسوعة العربية الميسرة، 1965
  مِدحت بَاشا موسوعة المورد، منير البعلبكي، 1991